خطابات حول القرية الفلسطينيّة ما قبل 1948: عين هود/ عين حوض | ترجمة

منزل في قرية عين حوض المهجّرة خلال النكبة | ويكيميديا.

 

هذه ترجمة لدراسة* أجرتها الباحثة سوزان سليموفيتش، أستاذة الأنثروبولوجيا ولغات الشرق الأدنى في «جامعة كاليفورنيا»، لوس أنجلوس. تبيّن سليموفتش العلاقات المعقّدة الّتي تربط الماضي بالحاضر في فلسطين المحتلّة، والدور الّذي تؤدّيه الذاكرة في هذا السياق؛ إذ بدأت بعد النكبة واحتلال الأرض عمليّة حثيثة لطمس التاريخ والذاكرة الفلسطينيّة، بل استردادها جزءًا من التاريخ والذاكرة الإسرائيليّة.

تجري عمليّة الأسرلة هذه على غير صعيد، وربّما تكون حالة قرية عين حوض الفلسطينيّة أبرز مثال حول مصادرة الأرض واستملاك الهويّة الفلسطينيّة بعد تهجير سكّانها في عام 1948. تقول رحيلا مزراحي إنّ سليموفيتش قد بحثت منهج المصادرة هذا بكلّ مضامينه من أسلوب البناء والعناصر وطرق المعرفة، وتحويلها جميعًا عبر وسائل مختلفة من أجل خدمة مستعمَرة فنّانين إسرائيليّين، واستملاكها بوصفها آثارًا من حياة الشعب اليهوديّ في عصور قديمة؛ جزءًا من الرواية الصهيونيّة، وبانسجام تامّ مع إستراتيجيّات سياسيّة صهيونيّة جوهريّة، حيث زوّدت «الدادا» الصهيونيّة بذريعة ثقافيّة وفكريّة وغطاء جماليّ وظيفته إخفاء سلب الحقوق الّذي لا يمكن غفرانه، عن كلّ ما كان عربيًّا[1]

 


 

قرية عين حوض الواقعة على جبل الكرمل بالقرب من حيفا واحدة ممّا يقارب الأربعمئة قرية فلسطينيّة أُفْرِغَت من سكّانها في غضون الحرب العربيّة-الإسرائيليّة في عام 1948، وقد أسّس فيها مارسيل يانكو، وهو فنّان يهوديّ لاجئ من رومانيا، وأحد مؤسّسي «الحركة الدادائيّة»، مستعمَرة للفنّانين اليهود الإسرائيليّين جُدِّدَتْ وحافظت معماريًّا على ما كان قرية عربيّة فلسطينيّة قبل عام 1948 - بعد إعادة تسميتها باسم «عين هود». يتقصّى هذا البحث الوظيفة التعبيريّة للفضاء المعماريّ العامّيّ وعلاقتها بالخطاب السياسيّ؛ وكذلك المعنى الاجتماعيّ للحفاظ والتجديد اليهوديّ الإسرائيليّ بصفته ممارسة للسلطة الحكوميّة؛ والهويّة المعماريّة الخلافيّة للقرية الّتي كانت عربيّة فلسطينيّة قبل 1948.

نجم عن اقتلاع السكّان وتشتيتهم بأكملهم بسبب الحروب، والملاحقة الممنهجة، وإعادة رسم الحدود القوميّة في القرن العشرين، نشوء نوع من الأدب الشعبيّ الرائج، الّذي اقترح تسميته بـ «الكتاب التذكاريّ». لقد انتشر تقليد ابتداع كتب للتذكير بالقرى والبلدات والمقاطعات، وتوثيق دمارها بين الناجين من المحرقة من اليهود الأوروبّيّين الشرقيّين، والأرمن بعد مذابح 1922، وكذلك لدى الجاليات الناطقة بالألمانيّة في أوروبّا الشرقيّة الّتي شُرِّدَتْ بعد الحرب العالميّة الثانية، ولدى الفلسطينيّين بعد قيام دولة إسرائيل.

إنّ اللافت في التقاليد والأعراف الّتي تحكم تسجيل الذاكرة التاريخيّة في الحالة الفلسطينيّة، تكريس الأرض المفقودة ليس كما كانت عليه في الماضي فحسب، وإنّما في حاضرها وواقعها الحاليّ على وجه الخصوص. بينما نجد أنّ كتابة الذاكرة اليهوديّة من جهة أخرى تبجّل المنطقة والمكان ما قبل الحرب العالميّة الثانية، في الوقت الّذي تلعن ما هو عليه بعد المحرقة. تحافظ هاتان المجموعتان في نظراتهما النوستالجيّة إلى الماضي، مع ما يشوبها من المرارة والألم، على مواقف متعارضة كلّيًّا نحو إمكانيّة العودة – أو استحالتها في نهاية المطاف.

اللافت في التقاليد والأعراف الّتي تحكم تسجيل الذاكرة التاريخيّة في الحالة الفلسطينيّة، تكريس الأرض المفقودة ليس كما كانت عليه في الماضي فحسب، وإنّما في حاضرها وواقعها الحاليّ...

لا تصف نصوص الكتب التذكاريّة واقعًا معيّنًا فحسب، بل تخدم في خلق معرفة حول مكان وزمان ما، منتجة بالتالي تقليدًا له ثقل ووجود مادّيّ دعاه ميشيل فوكو بالخطاب[2]. وتعبّر الكتب التذكاريّة بتبادلات معقّدة عن علاقاتها بالمشهد والعمارة والوصف السوسيولوجيّ، بينما توسّع في الوقت ذاته مختلف أنواع السلطة - السياسيّة والثقافيّة والمعماريّة - الّتي تمهّد الطرق الّتي يكون عبرها حفظ صور بيت القرية الماضي. أمّا ما يحكم دراستي هذه فهو كلّ ما كُتِب وافْتُكِر وقيل وعُمِل حول القرية العربيّة الفلسطينيّة [في إسرائيل] ما قبل 1948.

 

الخطاب و«الكتاب التذكاريّ» الفلسطينيّ   

تعكس عمليّة تجميع الموادّ وكتابة الكتب التذكاريّة وتحريرها اهتمامًا في تأليف مشترك وقراءة مشاعيّة عامّة من قِبَل المتبقّين على قيد الحياة؛ إذ تؤرّخ الكتب التذكاريّة اليهوديّة، الّتي تربو حاليًّا على الألف مجلّد، التاريخ والحياة اليوميّة للقرية والبلدة والمقاطعة. كذلك تفعل سلسلة المجلّدات المنشورة تحت عنوان «القرى الفلسطينيّة المدمّرة» الّتي نشرها مركز التوثيق في «جامعة بير زيت»، وألّفها وجمعها وحرّرها شريف كناعنة[3]. تركّز السلسلة الأخيرة على نحو الأربعمئة قرية عربيّة فلسطينيّة أُخْلِي سكّانها - مؤقّتًا آنذاك - في غضون الحرب العربيّة - الإسرائيليّة في عام 1948، أو دُمِّرَتْ في غضون السنوات الخمس الّتي تلتها. وقد قدّم السكّان السابقون لهذه القرى والمقيمون حاليًّا في مخيّمات اللجوء في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة – مثل نظرائهم اليهود – المعطيات الإثنوغرافيّة والتاريخ الشعبيّ والرسومات الخرائطيّة لتضمينها في الكتب التذكاريّة.

يُعَدّ التذكّر النشط والفعّال ضمانة للبقاء والاستمرار الثقافيّ الحيّ؛ بحيث تطوّرت رموز سرديّة لتحويل الذاكرة الفرديّة إلى تاريخ عامّ؛ فهل هناك صورة محدّدة للقرية الفلسطينيّة تفرض مسبقًا وتحتّم التمثيلات الموجودة في الكتب التذكاريّة الّتي جمعها المجتمع؟ رغم أنّ الكتب التذكاريّة لا تدّعي الموضوعيّة، إلّا أنّ تحرّياتي قد تبيّن كيف أنّ اللجوء إلى نماذج وطرز بدائيّة معيّنة قد يتعارض ويتضارب مع الذكريات الفرديّة لتفاصيل محدّدة؛ فهل يمكن للتأليف الجمعيّ أن ينتج روايات عن المجتمعات المدمّرة تتميّز بالدقّة التاريخيّة مع الحفاظ على أمانتها؟ وكيف تعلّل الكتب التذكاريّة وتفسّر التنوّع السياسيّ والنزاعات الاجتماعيّة والفقر والفروقات الطبقيّة، في ماضٍ منقطع عن الحاضر؟

 

صورة لقرية عين حوض المهجّرة من موقع «موسوعة القرى الفلسطينيّة»

 

يصف كناعنة أهدافه ودوافعه في مقدّمته للسلسلة الفلسطينيّة، معتبرًا أنّ كلّ دراسة تسعى بقدر المستطاع إلى وصف حياة الناس في تلك القرية، بشكل يمكّن القارئ من تصوّرها كما كانت عام 1948 - حيّة ومسكونة ومزروعة قبل دمارها. حيث يتيح هذا التصوير للفلسطينيّين، خاصّة أولئك الّذين نزحوا عن هذه القرى في سنّ مبكّرة، أو ربّما وُلِدوا خارجها بعد 1948، أن يشعروا بارتباط وصلة بالقرية والمجتمع والبلد الحقيقيّ، وكأنّهم عاشوا فيها، وليست مجرّد اسم على خارطة[4].

أتساءل، من خلال التمعّن في الإنتاج الأدبيّ لكتب التذكارات، عمّا يحثّ ويدفع على بناء الهويّة الوطنيّة، وكيف تتحالف مع الدوافع القسريّة المعقّدة وتتصالح معها من أجل إعادة خلق سجلّ لمجتمعات مدمّرة وتمثيله وحفظه في نصوص وصور؛ فدراسة عمليّات التأريخ الشعبيّ والإثنوغرافيا الشعبيّة الّتي تُبْتَدَع بواسطتها كتب التذكارات وتُجَمَّع، إنّما هي تعرية للكيفيّة الّتي يقوم بها فعل تدوين الكتاب التذكاريّ هذا بإفشاء الانقطاع السرديّ الّذي تُحدثه الحرب والتشريد والخسارة الفاجعة؛ إذ تُسْتَحْضَر ’روح المكان‘ بخاصّة – وبعبارات كريستيان نوربرغ شولتز: "عبقريّة المكان" (genius loci) – الّتي تربط التجربة بالعمارة، والتاريخ بالذاكرة البيئيّة – في كلّ صفحة من كلّ كتاب تذكاريّ[5]

 

عين حوض في الذاكرة والتاريخ

لقد ابتدأت بسلسلة «القرى الفلسطينيّة المدمّرة»، وبقيت في البدايات؛ فالمجلّد الأوّل كتاب تذكاريّ مكرّس للقرية العربيّة الفلسطينيّة عين حوض. يشير المؤلّفان شريف كناعنة وبسّام الكعبيّ في مقدّمتهما إلى أنّ الخيار في المجلّد الأوّل خيار غير مألوف، حيث تبقى عين حوض مثالًا نادرًا، ليس في السلسلة الإثنوغرافيّة الفلسطينيّة فحسب، ولكن في التاريخ العربيّ - الإسرائيليّ أيضًا، لقرية عربيّة لم تُدَمَّر فعليًّا في غضون السنوات الخمس الّتي أعقبت عام 1948. لقد تفرّق سكّان عين حوض الّذين ينتمون جميعًا إلى ذات الحمولة أو العشيرة، وهي أبو الهيجا، وتشرّدوا في الشتات أو اختبؤوا في التلال المجاورة[6]، في حين حُوِّلَتْ القرية إلى مستعمَرة للفنّانين اليهود «كفار أومانيم» بالعبريّة، الّتي زرتها مرّات عدّة.

تولّد دراستي المزيد من النشاط السرديّ حول عين حوض، حيث أوظّف مجموعة من السرديّات من أجل خلق أخرى؛ من خلال الانهماك في حوار إثنوغرافيّ مع الكتابة الّتي تعمل بالعودة ترجيعيًّا إلى الوراء؛ انطلاقًا ممّا كُتِب وقُصَّ في الحاضر، وذلك للتمكّن من إعادة بناء الماضي. لقد كانت هناك عين حوض واحدة ذات يوم، لكن بات هناك الآن نسخ عدّة منها. وقد افترض عملي الميدانيّ ثلاثًا منها على الأقلّ، تتشارك في المنطقة والتاريخ، وذلك في السفوح الغربيّة من جبل الكرمل: عين حوض العربيّة ما قبل عام 1948، وعين هود اليهوديّة ما بعد 1953، وعين حوض العربيّة الّتي أُعيد بناؤها. كما أنّي اهتديت إلى قرًى أخرى ترتبط بها: كوكب أبو الهيجا في الجليل الأعلى، فضلًا على المضافة الّتي أنشأها لاجئو عين حوض المقيمون حاليًّا في الأردنّ. أمّا المجموعة الأولى فلم تتشرّد فقط، وبقيت تحرس مقام أسلاف عين حوض، في ما تحفظ المجموعة الثانية المشرّدة في الأردنّ، وتصون سلالة أبو الهيجا وتحدّثها.

تفرّق سكّان عين حوض الّذين ينتمون جميعًا إلى ذات الحمولة أو العشيرة، وهي أبو الهيجا، وتشرّدوا في الشتات أو اختبؤوا في التلال المجاورة، في حين حُوِّلت القرية إلى مستعمَرة للفنّانين اليهود...

صنّفت دولة إسرائيل عام 1951 - تبعًا لأحكام «قانون أملاك الغائبين» 1950 - حمولة أبو الهيجا من ضمن الغائبين، واستولت على أراضيهم وقريتهم[7]. وقد سعت السلطات الإسرائيليّة ما بين نهاية حرب عام 1948، وبدايات الخمسينات لإعادة توطين القرية مرّات عديدة بمهاجرين يهود جدد (عوليم خداشيم). ولكن بعد أن ادّعت مجموعة من يهود شمال أفريقيا أنّ التربة رديئة، غادرت القرية لتؤسّس «موشاف تسوفاه»، وهي مستوطنة تعاونيّة من صغار الملّاكين، على مسافة خمسة كيلومترات إلى الجنوب. وقد مكث اليهود المتبقّون من الهجمات العربيّة على كيبوتسات «عصيون» في تلال الخليل برهة في عين حوض، إلى حين الانتهاء من بناء «موشاف نير عصيون» في أعلى الجبل، حيث اقتطع لهم حينذاك الكثير من الأراضي الزراعيّة العائدة إلى عين حوض. كما استخدم الجيش الإسرائيليّ منازل القرية لتدريب الجنود على القتال من منزل إلى منزل، ومن باب إلى باب، ردحًا من الزمن.

 

خطاب الاكتشاف اليهوديّ الإسرائيليّ

حصل مارسيل يانكو الفنّان اليهوديّ [اللاجئ] من رومانيا، أحد مؤسّسي «الحركة الدادائيّة» عام 1953، على إذن من دولة إسرائيل لإنشاء قرية تعاونيّة للفنّانين في عين حوض، الّتي باتت خالية من السكّان حينذاك. أمّا سرديّة يانكو حول إنشاء مستعمَرة إسرائيليّة للفنّانين، في ما كان قرية عربيّة في السابق، فهي سرديّة اكتشاف واسترداد، كما يظهر في كلام يانكو: "... كانت بدايات عين هود فريدة ومتميّزة: أرسلتني في عام 1950 سلطة تخطيط حكوميّة؛ لاستكشاف جبال إسرائيل، وتقديم التوصيات من أجل إنشاء متنزّه وطنيّ. وقد صادفت وأنا في هذا الصدد تلًّا في سلسلة جبال الكرمل مقابل قلعة عتليت الصليبيّة.  كان جمال المكان أخّاذًا".

ويضيف: "وقد أُعْلِمْتُ أنّ هذه القرية ستُهْدَم، لكنّ البحر وأسلوب المباني الحجريّة المميّز جعلا شعورًا يخالجني بعدم جواز المساس بها. كانت القرى العربيّة تُبْنى بالعادة من الطين والقشّ – بيد أنّي شاهدت هنا عددًا من القرى المبنيّة بأسلوب غاية في التميّز، فراودني شعور غير واضح المعالم بأنّ لهذا المكان محتوًى تاريخيًّا يرتبط بتاريخ بلادنا".

يكمل: "لكن، ماذا سأفعل به؟ وتخيّلت أمامي عددًا من الخطط: تحويله إلى نصب داخل متنزّه وطنيّ، أو تأسيس قرية زراعيّة للمهاجرين الجدد، أو الحفاظ عليه منتجعًا سياحيًّا. لكنّ هذه المخطّطات تبخّرت الواحدة تلو الأخرى، إلى أن توضّحت الصورة أخيرًا: يجب الاستفادة من المكان لخلق قرية للفنّانين"[8].

أمّا رواية كيفيّة استيطان القرية في نهاية المطاف وتأهيلها بالسكّان، وكيف "جال يانكو بين آثارها وتصوّر حلمًا"، وكيف أصبح الحلم حقيقة كما هو مرويّ في العديد من كتالوجات عين هود الّتي تعرّف بمعارض الفنّانين[9]، فهي نموذج وطراز للأسطورة المؤسَّسة؛ حيث يوصَف المؤسّس الأسطوريّ لعين هود اليهوديّة نبيًّا وبطلًا عصريًّا. وفي حين يستحضر خطاب البدايات لعين هود - بحسب وصف الأدبيّات المطبوعة للمستعمرة - موسى وهو ينزل بأرض التوراة الموعودة، إلّا أنّه من الجدير بالذكر أنّ يانكو كان يفضّل دعوة اكتشافه لعين هود "بآخر نشاط دادائيّ له"[10].

 

صورة لقرية عين حوض المهجّرة من موقع «موسوعة القرى الفلسطينيّة»

 

تطلق مقدّمة يانكو لكتالوج معرضه الّذي أقيم في زيوريخ في عام 1919، تحت عنوان «الحياة الجديدة» (Das Neue Leben)، صرخة فنّيّة منبعثة من القلب، حيث يعلي ويميّز فيها أشكالًا فنّيّة شعبيّة محدّدة مثل الحرف اليدويّة، بلغة ومصطلحات يمكن أن تؤوّل على أنّها الأساس والقاعدة الفلسفيّة لعمليّة استيطانه عين هود، من حيث إنّ العودة إلى الأرض الأصليّة تتضمّن عودة إلى فنون الأرض الأصليّة: "يجب أن تنبعث الحياة بل سوف تنبعث في الفنّ ثانية، حيث بات الفنّ منذ عصر النهضة مسألة خصوصيّة منفصلة تمامًا عن الحياة؛ فقد أصبح الفنّانون متغطرسين يراودهم شعور بأنّهم أعلى كثيرًا من مستوى الناس... نحن لسنا فنّانين فحسب، بل نحن بشر نشعر بضرورة ممارسة تأثير إيجابيّ مرّة أخرى؛ فالفنّ الأخلاقيّ الرفيع لا ينتمي إلى العقل الواحد فقط بل إلى العالم بأسره... يبيّن المعرض محاولات لردّ الفنّ إلى الحياة من جديد؛ إذ اسْتُخْدِم العديد من الموادّ بطريقة جديدة؛ فلم يَعُدْ هناك فعليًّا ’لوحات‘ بالمعنى التقليديّ المعتاد؛ إذ كان على أسلوبنا أن يدمّر الروايات القديمة والحكايات، بحيث تصبح أكثر تجريدًا لتتمكّن من التقاط الموادّ بطريقة جديدة أكثر عمقًا. نريد أن نجد طريق العودة إلى الحرف اليدويّة والمعمار، اللذين يحملان بهذا المفهوم المجرّد الصلة الأعمق بعالمنا"[11]

بقي يانكو وفيًّا وملتزمًا بإيمانه بالفنّان حرفيًّا، وبصناعة الفنّ الجمعيّ، وبالمبادئ التعاونيّة للفنّ الجمعيّ خلال سنواته الدادائيّة الأولى، وعلى امتداد مسيرته الفنّيّة الطويلة. ورغم أنّ عمليّة إنشاء مستعمَرة للفنّانين كانت مبنيّة على آمال وطموحات بخلق فنّ يهوديّ أصيل على أرض يهوديّة، إلّا أنّ يانكو انحرف وحاد بطرق لافتة عن الأسطورة القوميّة الإسرائيليّة المؤسِّسة الّتي انتشرت وسادت، تلك الّتي عرّفتها الأنثروبولوجيّتان الإسرائيليّتان تامار كاترييل وأليزا شينهار على أنّها «البرج والسور» (حوما ومجدال)[12]. حيث يصفان مبادرة جمعيّة تشير إلى نوع المستوطنات الّتي أرست بشكل بطوليّ الوجود اليهوديّ في فلسطين منذ 1936 حتّى عام 1947؛ حيث استحوذ «الصندوق القوميّ اليهوديّ» على مساحات واسعة من الأراضي، كما بُنِي نحو 118 مستوطنة على وجه السرعة، مع برج تعيين مركزيّ، وسور أو حاجز دفاعيّ وبيوت جاهزة الصنع. ويمكن اعتبار «البرج والسور» مجموعة من الصور الجمعيّة للفعل الاجتماعيّ، تؤوّل رمزيًّا، وتشرعن روح النظام الاستيطانيّ الإسرائيليّ. وللتمكّن من فهم يانكو بشكل أفضل، فإنّها توضح كسرديّة، الرابط الحميم ما بين بلاغة المكان وبلاغة الفعل في الخطاب الصهيونيّ، فتقول:

"في الحقيقة تنضفر بلاغة المكان والفعل في صميم خطاب الصهيونيّة إلى حدّ بات فيه مفهوما الأدوات المتنفّذة وإقامة المستوطنات الجديدة شبه مترادفين... كان لفعل الفتح والإخضاع في الأصل مضامين ودلالات شديدة الإيجابيّة في ما يتعلّق بالأرض: فقد أشار إلى العمل في زراعة الأراضي الّتي اشتُرِيت قانونيًّا، وليس إلى العمل العسكريّ المتمثّل بالاستحواذ على الأراضي بالقوّة. وتحدّث أيضًا بروح مشابهة عن الفتح العمّاليّ... فالصراع الّذي ترتّب عن هذه الفتوحات كان صراعًا ضدّ التاريخ اليهوديّ، ذلك التغيّر المفاجئ والجذريّ في الأنماط القديمة لحياة الشتات الّتي استبعدت العمل الزراعيّ عمومًا، وما يصحبه من التصاق بالأرض وتجذّر في المكان[13]." 

لربّما استند يانكو على مثل هذا الارتباط المألوف بين المكان الجغرافيّ (فكرة أرض إسرائيل أو إريتز يسرائيل بالتحديد) وخطاب - وإن كان حول الفنّ - متجذّر في الأيديولوجيّة الصهيونيّة. ولكن ما كان يميّز يانكو المعماريّ بشكل لافت هو تأثّره الشديد بالبيوت الحجريّة العربيّة الرائعة، الّتي لم يكن في حاجة إلى هدمها كي يبني من جديد، حيث يعترف بحضور غامض للبيوت الحجريّة العربيّة، ربّما هالة حولها منعت هدمها – "لا يجوز المساس بها". وفي الواقع كان الوجود المادّيّ الثلاثيّ الأبعاد للقرية، هو الّذي حثّه على التفكير في مختلف الحلول الّتي تأخذ بالاعتبار نزوعه إلى الحفاظ المعماريّ عليها، كنصب ومتنزّه ومحميّة سياحيّة. تعيد ردود فعل يانكو المبهورة إلى الأذهان دهشة الأوروبّيّين من أمثال كولومبس عند اكتشافهم لـ ’العالم الجديد‘، الّتي اعتبرها ستيفن غرينبلات العاطفة الدامغة للكولونياليّة العاقدة العزم على الإدراك والاستحواذ[14].

لكنّ مستعمَرة للفنّانين اليهود ليست مستوطنة صهيونيّة تعاونيّة زراعيّة، بما يصحبها من أهداف تشغيل الأرض وإنتاجيّة العمالة اليهوديّة؛ فبدلًا من الادّعاء بتجديد الأرض – الّتي كانت قد خصّصت لكيبوتس نير عصيون الدينيّ – اقترح يانكو التجديد من خلال تأهيل المنازل الحجريّة العربيّة بالفنّانين اليهود. وكي يتمكّن من إنجاز هذا؛ أجرى ربطًا أقلّ وضوحًا، بين البيئة العربيّة الفلسطينيّة المبنيّة وحدسه الشخصيّ بأنّ "للمكان محتوًى تاريخيًّا يربطه بتاريخ بلادنا".  تمثّل ابتكار يانكو النظريّ في الاستحواذ على كامل قرية زراعيّة عربيّة مكتفية بذاتها، وما زالت أساليب العمارة التقليديّة قائمة فيها، ومنح معنًى جديد للصور والأشكال المكانيّة الّتي مدّت حياة القرية بالبنية والتنظيم؛ مثل الجامع والساحة والمضافات ومعاصر الزيتون. إلّا أنّ خلق مكان وسط الصور والتشكيلات المكانيّة الّتي تَناقَض محتواها التاريخيّ مع تاريخ يانكو، رغم صلته الوثيقة بتاريخ البلد الّذي تبنّاه يانكو، كان أسلوبًا مبتكرًا لتحقيق بطوليّة الأسطورة الصهيونيّة المؤسِّسة.

إنّ الجدل القائم حول قرار يانكو في الحفاظ على قرية عربيّة كموطن للفنّانين اليهود، والطرق الّتي حفرت عبرها طبيعة الملكيّة غير المحدّدة المتحصّلة في شخصيّة عين هود المحدّدة منذ ولادتها، هي قضايا مركزيّة بالنسبة إلى هذا المشروع. يُعْنى أحد هذه الأمثلة بدراسة سرديّة أصول تسمية عين هود، وهو مثال يفيد كاستعارة مجازيّة للدوافع المتناقضة تجاه الحفاظ والتجديد. فبحسب صوفيا هيليل، تدين القرية العربيّة عين حوض سابقًا باسمها العبرانيّ المهوّد الجديد - أي عين هود - إلى أمّها سارة راكهيل، وهي زوجة الفنّان أيزايا هيليل (1896-1978):

"كانت أمّي محيطة بالعربيّة وكذلك أبي. وقد كان الاسم الأصليّ للقرية هو عين حوض، الّذي يعني ينبوع الحوض. قال بعض الأعضاء بوجوب اختيار اسم جديد، فاقترح البعض شاغال والبعض الآخر بيكاسو. وأذكر قول أمّي: "دعونا نغيّر حرفًا واحدًا فقط، فبدلًا من حوض – تصبح هود (hud-hod) الّذي يعني المجد والجمال، أو "عين المجد أو عين الجمال". سنغيّر اسمًا واحدًا بحيث ينسجم الاسم مع المكان، والمكان مع الاسم[15]."

إنّ كون قرية ينابيع الحوض العربيّة الزراعيّة قد أضحت مستعمَرة للفنّانين اليهود، تحت مسمّى ’ينابيع المجد‘، في ذات الوقت الّذي حوّل تبدُّل لفظيّ دلاليّ ولغويّ حوض سقاية الحيوانات الزراعيّ الدنيويّ إلى المجد الفنّيّ الهود، قد خضع للكثير من التعليقات من جانب اليهود والعرب على حدّ سواء[16]، من حيث إنّ الكلمات العبريّة عين هود قد استبقت وبنت على الصوت العربيّ الأصليّ.

في غضون الحقبة الّتي تلت 1948 مباشرة، وبالرغم من أنّ العدوّ الخارجيّ كان العربيّ بدون لبس أو غموض، إلّا أنّ العديد من الفنّانين اليهود، بمَنْ فيهم يانكو، قد صوّروا بطريقة رومانسيّة بعض أوجه الثقافة العربيّة وسماتها، وتعلّقوا بوجهة نظر رومانسيّة حول العرب. على سبيل المثال، رسم يانكو في عام 1954 - أي بعد عام من إقامة عين هود رسميًّا - مشهدًا طبيعيًّا حاول أن يثبّت فيه انبهاره في لحظة اللقاء الأوّل، حيث تتصدّر عين هود اللوحة وهي تنبثق من ثنايا المنحدرات الّتي تأخذ الشكل V، وقد حدّدت البيوت الحجريّة بالأسود الحادّ في مربّعات لُوِّنت بالأصفر والأزرق، لكن بالأبيض في المقام الأوّل لتشدّ النظر إلى المركز، حيث تنسجم العمارة العربيّة المتوسّطيّة بشكل فنّيّ ومعماريّ مع التلال المحيطة. بينما تشكّل قافلة من العرب المنتقلين من اليمين إلى اليسار الإطار السفليّ للوحة: نساء يرتدين أغطية الرأس، ويحملن الأواني والصرر، وحمير محمّلة بالقمح والمؤن، ورجال بملابس الرأس التقليديّة والعبيّ السوداء، يسيرون إلى جانب الحيوانات. يبقى السؤال المطروح إذا ما كان يانكو قد نظر إليهم مثل سكّان محلّيّين يشكّلون جزءًا من المشهد، أو لاجئين يفرّون من صورة رُسِمت بمجاميع ومزيج من الأساليب الأوروبّيّة ابتداء بالتكعيبيّة المبكّرة.

 

عين حوض/ عين هود: المكتوب في مواجهة الشفهيّ

أُجْبِر الفلّاحون العرب الفلسطينيّون، بعد عام 1948، على التقهقر واللجوء إلى أعالي جبل الكرمل، نحو منطقة تُدْعى خربة حجالي، حيث راقبوا من موقعهم المطلّ في الأعلى تأهيل عين هود اليهوديّة بالسكّان. ويتذكّر سكّان عين حوض العربيّة في مقابلات أجراها درور يكوتييل في الثمانينات المستوطنة في أيّامها الأولى:

"إنّ المحاولات الأولى لاستيطان المنازل الحجريّة في عين حوض في الخمسينات يلفّها الغموض. يقولون إنّ الجبل لفظ المستوطنين الجدد من داخله... ويذكرون كيف كانت آلاف العيون ترقب في العتمة من كلّ القمم والحوافّ المحيطة بالجبل. انهمرت الحجارة على القرية، ورتّلت مواكب الجنائز ألحانًا جنائزيّة من عمق الجبل. هربوا فزعًا من المكان مخلّفين وراءهم المنازل الحجريّة مهجورة[17]

وفي حين كتبت عين هود اليهوديّة تاريخها طوليًّا عبر الزمن، وهي تتطوّر من منتجع للعطل الأسبوعيّة لمجموعة صغيرة من الفنّانين، إلى مكان يحوي مركز عرض شهيرًا للفنّانين، ومتحف وطنيّ ومدارس فنون وورش تدريب، كانت عين حوض العربيّة تعيد بناء نفسها ببطء وجهد؛ ومن بين القريتين كانت عين حوض العربيّة الأكثف سكّانًا. لقد كان من السهل دراسة تاريخ عين هود اليهوديّة: حيث أنتجت أرشيفًا كاملًا من كتالوجات المتاحف والمعارض والأعمال الروائيّة والمقالات الصحافيّة، وفيلمًا بطول 16 ملم أُنْجِز في عام 1960، فضلًا على التصوير الشخصيّ والحرفيّ وأشرطة الفيديو الّتي تسجّل المناسبات الجديرة بالذكر. بينما وجدت في المقابل أنّ معرفتي ببواكير عين حوض العربيّة تعتمد كلّيًّا على مقابلات مع يهود وعرب زوّدوني بالحكايا والتواريخ الشفهيّة والحكايات الشعبيّة والأساطير.

في حين كتبت عين هود اليهوديّة تاريخها طوليًّا عبر الزمن، وهي تتطوّر من منتجع للعطل الأسبوعيّة لمجموعة صغيرة من الفنّانين، إلى مكان يحوي مركز عرض شهيرًا للفنّانين (...) كانت عين حوض العربيّة تعيد بناء نفسها ببطء وجهد...

إذا كانت أصول هاتين القريتين قد أنتجت كتابات من جانب اليهود، وأحالت العرب إلى العالم الشفهيّ اللفظيّ، فإنّ دراسة التمثيلات – كيفيّة الإلمام بالأحداث ونقلها – هي جزء جوهريّ من هذا البحث أيضًا. لقد طوّرت دراسات الفولكلور على وجه الخصوص، ادّعاءات مضادّة لتلك المهيمنة لصالح التعبير الشعبيّ الشفويّ، ولكونها ممثّلة، وبالتالي سريعة الزوال، فإنّها تفلت من الرقابة. ولأنّها تطرح خطابًا مثيرًا ومحرّضًا أو موحيًا سياسيًّا، فإنّها تفسح المجال لصوت الجماعات الأُمّيّة المهمّشة[18]. فمن خلال تقصّي الروابط ما بين الشفويّ والذاكرة والتاريخ؛ يتبدّى جليًّا أنّ الحكايات وأجزاء من الروايات هي أيضًا تجلّيات للذاكرة وإن يكن على شكل سرد؛ فهل تملك الذاكرة صوتًا سرديًّا وساردًا موثوقًا يُعَوَّل عليه؟ وهل تميل الذكريات، وخاصّة الذكريات المتكرّرة، إلى سرد ذاتها؟ لقد امتلك بعض سرديّات السنوات المبكّرة وضوحًا شديدًا، في ما كانت سواها ضبابيّة مبهمة.  في ما قدّمت ذات العبارات الّتي تفوّهت بها جماعات متعارضة مونتاجًا أو صورًا مركّبة متناقضة للأحداث.

 

الخطاب العربيّ الفلسطينيّ

ومع ذلك، يتّفق كلٌّ من اليهود والعرب على أنّه كان هناك في بدايات عين حوض العربيّة زعيم متنفّذ، ذو شخصيّة كاريزميّة، يُدْعى الشيخ محمّد محمود عبد الغني، وقد عُرِف في أرجاء الناحية – بحسب التقاليد المرعيّة بالتسمّي باسم الابن الأكبر – بـ ’أبي حلمي‘. "لا يمكننا ذكر القرية من دون الحديث عن أبي حلمي، كما يقول حفيده عاصم الّذي يبلغ الأربعين من العمر، "فتاريخ القرية الحديثة مرتبط به[19]." 

تكوّنت عين حوض العربيّة ما قبل عام 1948، من حمولة أبو الهيجا، الّتي تفرّعت إلى خمسة أفرع أو عائلات كبيرة ينحدر نسب كلٍّ منها، ويعود إلى جيل مبكّر يتألّف من أربعة إخوة وأخت، ادّعى خمستهم أنّ حسام الدين أبو الهيجا هو جدّهم المؤسّس. وقد كان حسام الدين أحد قادة صلاح الدين، وقد مُنِح منطقة عين حوض مكافأة على بلائه وشجاعته العسكريّة في معركة حطين ضدّ الصليبيّين. وكانت عائلتا ابنَي العمّ أبي حلمي محمّد محمود عبد الغني عبد الرحيم ومحمّد عبد الهادي حسين عبد الرحيم من دار عبد الرحيم إحدى العائلات الخمس الفرعيّة، هما السلفان المؤسّسان اللذان أعادا تأهيل عين حوض الجديدة في أعلى الجبل بالسكّان.

وقد سكنوا في السنوات الأولى من هذه المستوطنة الجديدة في الخمسينات، في أكواخ من الآجر الطينيّ مغطّاة بأسقف من مزيج الطين والأغصان. وبحسب رقيّة أبو الهيجا، وهي إحدى بنات أبي حلمي، أنّ الحياة كانت صعبة حيث آوت الأكواخ والخيام الحيوانات والبشر على حدّ سواء. وقد تراصّت البيوت جنبًا إلى جنب، وكثيرًا ما جرفت مياه الأمطار البيوت والجدران. وفي ما كانوا يجمعون مواردهم من أجل تحويل البيوت إلى منازل أسمنتيّة من بلوكّات الطوب الرخيص؛ لأنّ البناء الحجريّ التقليديّ أغلى بأربعة أضعاف، تصوّر أبو حلمي توزيعًا جديدًا للقرية استقاه من الطبيعة الجبليّة للمنطقة، وليس بالاعتماد على البنى الاجتماعيّة الفلسطينيّة التقليديّة في تعيين المباني والمنازل وتوزيعها.

يحتوي معظم القرى الفلسطينيّة على وسط مركزيّ كثيف البناء، وجدران مشتركة بين الدور، وأزقّة ضيّقة، بعكس التصوّر الّذي ارتآه أبو حلمي لبيوت متباعدة ودائريّة بصورة دفاعيّة كأنّها تصدّ هجومًا؛ فبعد أن انتقى أعلى نقطة في إحدى التلال المتوسّطة من جبال الكرمل تُدْعى الجبل الوسطاني، اختار أبو حلمي الجهات الأصليّة الأربع إطارًا مرجعيًّا. وقد بُنِيت البيوت على هيئة دائرة عريضة جُعِلت متباعدة عن بعضها بعضًا لتشكّل محيط حماية وأمان؛ فاحتضنت الأبنية إلى الشمال والجنوب والغرب منحدرات الجبل الخطرة، وخُصِّصت كلّ جهة من الجهات الأصليّة الأربع لكلّ واحد من رؤوس البيوتات الذكوريّة الأربعة: بحيث يحرس عبد الرؤوف الغرب، وعبد الغني الشمال، وعبد الحليم الجنوب. وشكّل درب وعر وحيد يدنو من الشرق وسيلة الدخول الوحيدة إلى القرية، إمّا سيرًا على الأقدام وإمّا لاحقًا بالمركبات. وقد أوكل المدخل الشرقيّ المهمّ إلى القرية لحلمي ابن أبي حلمي كي يحرسه ويشرف عليه. أمّا موادّ البناء فضلًا على كلّ المؤونات فقد حُمِّلت إلى أعلى الجبل على ظهور الحمير في بادئ الأمر، ثمّ استُبْدِل بالحمير حديثًا الشاحنات، على الرغم من عدم وجود شوارع مزفّتة إلى يومنا هذا.

وقد أفاد حفيد آخر هو محمّد مبارك عبد الرؤوف، بأنّ أبا حلمي قد افترض على الدوام أنّه سيعود إلى أرضه، وبيته الّذي بات ملكًا للفنّان أيزايا هيليل وزوجته سارة الّتي كانت وراء تسمية عين هود، وابنتهما الوحيدة صوفيا الّتي تقيم وحدها هناك الآن. حاول هيليل أن يدفع إلى أبي حلمي مالًا مقابل بيته، وذلك بحسب المعماريّ جيورا بن دوف الّذي يقطن في المنزل الّذي كان يومًا بيت محمّد عبد الهادي وزوجته رقيّة المقيمَين الآن في عين حوض الجديدة. وبن دوف هو الراوي الوحيد المعروف في عين هود الّذي يسرد مثل هذه المبادرة: بعد أن استلم هيليل صكّ الملكيّة، صعد الجبل لزيارة أبي حلمي كي يعرض عليه تعويضًا ماليًّا، وقد استقبل أبو حلمي هيليل الّذي كان يتقن العربيّة بطلاقة بالكياسة والشكر المصحوب بكلمات الرفض، الّتي لطالما اقتبست مرارًا وتكرارًا: "لأنّه بيت ولا يمكن للمرء أن يبيع بيتًا".

يقول أبناء أبي حلمي أنّ والدهم كان مؤمنًا بأنّه كما جاء الأتراك والإنجليز وذهبوا، كذلك سيكون شأن القادمين الجدد من اليهود...

يقول أبناء أبي حلمي أنّ والدهم كان مؤمنًا بأنّه كما جاء الأتراك والإنجليز وذهبوا، كذلك سيكون شأن القادمين الجدد من اليهود. وقد حارب أبو حلمي بين 1952 و1959 القرار الصادر بموجب «قانون الغائبين»، ذلك القرار الّذي سلبه ملكيّة عين حوض القديمة، علاوة على تهديد قريته الجديدة.  ورغم خسارته القضيّة، إلّا أنّ السلطات لم تنفّذ أمر المحكمة، واستمرّت المفاوضات حتّى عام 1962 حين عرضت عليه ثلاثة خيارات: شراء الأرض الّتي يقيم عليها، أو استئجار الأرض الّتي يقيم عليها، أو التنازل عن كلّ مطالباته بعين حوض مقابل الأرض الّتي يقيم عليها. ومرّة أخرى يُقال بأنّه أجاب: "كيف أشتري أو أستأجر أرضي؟"، ولكن عند تكرار العرض في عام 1964 قرّر أبو حلمي شراء أرضه، غير أنّه عندما حاول ذلك أُعْلِم أنّ دولة إسرائيل لا تبيع الأراضي. ولكن في غضون أسابيع قليلة من محاولته شراء الأرض واستردادها، بنت إدارة الأراضي الإسرائيليّة أوّل سياج من بين عدّة ستطوّق الاثني عشر دونمًا الّتي تشكّل عين حوض الجديدة. أضف إلى ذلك أنّ الموشاف الدينيّ نير عصيون قد قصّ الطريق الجبليّ المُفضي إلى عين حوض، بحيث بات المرور إلى القرية يُمْنَع أيّام السبت اليهوديّ. ويصف سكّان عين حوض العرب حدودهم كالآتي:

"لقد عَرّفتُ موقع القرية كالتالي: نحن في سجن مفتوح، حيث يحيط بالقرية السياج الأوّل... وفوق القرية وما بعد السياج يوجد المتنزّه، وهذا هو الجدار الثاني، أمّا الجدار الثالث المحيط بالقرية وبجزء من المتنزّه فهو منطقة عسكريّة. أمّا البوّابة الأخيرة فهي بوّابة سبت نير عصيون... وهذه البوّابة - أي بوّابة نير عصيون - يستطيع أيّ شخص من القرية – أيّ شخص – أن يحصل على مفتاحها – ما من مشكلة – فقط خذ مفتاحًا. بيد أنّي لا آخذ واحدًا... بل أُجري تحويلة طولها ثلاثون كم؛ كي أتفادى المرور بتلك البوّابة والاضطرار إلى المفتاح. أنا مستعدّ للسير، ولكن ليس لاستخدام المفتاح؛ فمن حيث المبدأ هذا هو السجن الثالث، وهو جدار رابع بصورة أو بأخرى؛ أي جدار السبت...[20]."

نزل أبو حلمي بانتظام خلال الخمسينات والستّينات من عين حوض العربيّة إلى عين هود اليهوديّة. ويتذكّر أريك بروير، وهو فنّان من عين هود، كيف التقى أبا حلمي للمرّة الأولى؛ فبعد أن راقب بروير وهو يوسّع ما كان سابقًا بيت رشاد رشيد؛ آخر مختار للقرية، وهو يقيم حاليًّا في مخيّم جنين في الضفّة الغربيّة، شكره أبو حلمي قائلًا: "أرى أنّك تبني لي طابقًا ثانيًا". بينما يدّعي عباديا القرة، الفنّان الدرزيّ الوحيد المقيم في عين هود، وهو في الأصل من دالية الكرمل القريبة، يدّعي أنّ هذه الكلمات إنّما تفوّه بها فنّان يهوديّ زار بيته في عين هود مالكه العربيّ السابق؛ حيث صحب المالك اليهوديّ الجديد المالك العربيّ السابق في جولة، مشيرًا إليه: "هذا هو المطبخ الجديد الّذي أضفته من أجلك، وهنا غرفة نوم أخرى بنيتها من أجلك...".

 

الشيخ محمّد محمود عبد الغني (أبي حلمي) 

 

ثمّة شخص آخر يعاود الزيارة، وهو معين زيدان أبو الهيجا، الّذي وُلِد في عين حوض في عام 1942، ومعين هو ابن زيدان مختار عين حوض بين 1917-1936، حين استبعده البريطانيّون من منصبه لدعمه الثورة العربيّة  1936-1939. وقد قام الفنّان زيفا كاينر المتخصّص بالرسومات الغريبة بألوانها المائيّة والباستيل لمشاهد الريف المحلّيّ الّتي تُسَوَّق تجاريًّا للسيّاح، بتجديد منزله السابق في مدخل عين حوض في السبعينات.

يتردّد معين، الّذي يرسم المشاهد الطبيعيّة أيضًا، على المنطقة من مكان إقامته الحاليّ في تمرة في الجليل. وتحمل رسوماته الإعداديّة المرسومة بالفحم لعين حوض في عام 1964، باللونين الأسود والأبيض، شبهًا لافتًا للوحة يانكو الزيتيّة المرسومة عام 1954. ومن المحتمل أنّ كلتا اللوحتين مبنيّتان على صورة فوتوغرافيّة بالأسود والأبيض، تعود إلى عام 1953، وقد أُعيدت طباعتها على نطاق واسع، أو أنّ معينًا قد شاهد لوحة يانكو الإعداديّة، أو ربّما أنّ كلّ واحد من الثلاثة قد اختار على حدة البانوراما الأكثر وضوحًا ومشهديّة؛ فلوحة معين الثنائيّة اللون تخلّد ذكرى لحظات الخواء قُبيل التحوّل من العربيّة إلى اليهوديّة؛ فالبيوت صغيرة ومظلمة وضبابيّة، وليس هناك أشخاص داخل الإطار، فقط حسّ طاغٍ بوجود مراقبين عن بُعد يطلّون على القرية من الأعلى، في حين يرنو منظور لوحة يانكو إلى القرية من الأسفل إلى الأعلى. وقد أخبرني معين أنّه وبعكس أبي حلمي، الّذي كان الأكثر مشاهدة من بين سكّان القرية السابقين، ممَّنْ واصلوا زيارة عين هود واحتفظوا بعلاقات طيّبة بيانكو وغيره من الفنّانين؛ فإنّه كان يفضّل الزيارة من خلال التلال المحيطة، ونادرًا ما تجوّل عبر القرية.

لقد كان هناك دائمًا سيل مستمرّ من السكّان السابقين، يمرّ بعين هود بدءًا بأولئك الّذين أصبحوا مواطنين في دولة إسرائيل؛ ليستمرّ بعد 1967 بزوّار إضافيّين معظمهم من منطقة جنين-اليامون في الضفّة الغربيّة، فضلًا على آخرين من المسافرين الفلسطينيّين بجوازات سفر أردنيّة وكويتيّة وغربيّة ممَّنْ لا تربطهم علاقات وثيقة ومباشرة بحمولة أبو الهيجا. إنّ في تطوّر هذا النوع الثاني من السياحة الفلسطينيّة لمواقع في إسرائيل على وجه الخصوص، منابع ثقافيّة عميقة تفترض ضمنًا ميثولوجيا للمكان بلغة الصور والأوصاف. وقد أدّت مثل هذه السياحة مُضافًا إليها الأدب والشعر والفنّ دورًا قويًّا ونافذًا في اختراع القرية الفلسطينيّة قبل 1948، الّتي تُوَظَّف موضعًا للنوستالجيا والذاكرة والهويّة الفلسطينيّة؛ فمن خلال تتبّع العلاقة بالأرض الضائعة، وبيوتها الحجريّة ما بعد 1948، أتقصّى كيف استمدّ مصطلح القوميّة الفلسطينيّة قوّته المؤثّرة المهمّة؛ من أفكار وانطباعات عن القرية والفلّاحين – أصبحت لاحقًا دالّات قوميّة[21] كما يصوغها  تيد سويدينبرغ – في المواجهة الفلسطينيّة مع إسرائيل.

 

الخطابان العربيّ واليهوديّ المتنافسان

لم يتوقّف مشروع عين هود اليهوديّة – قرية فنّيّة وسياحيّة مؤسَّسة على بيوت عربيّة مجدّدة بشكل جميل – عن إثارة الجدل الحادّ. يرى الشاعر الفلسطينيّ حنّا أبو حنّا (1928 2022) عين هود أمرًا بغيضًا يدين المجتمع اليهوديّ-الإسرائيليّ. ويضمّن في اتّهامه ملكيّة عربيّة سابقة أخرى - أشزيف أو هافيفالاند - الّتي تحوي الآن فندقًا للهيبّيّين، فضلًا على حجرات متاحف تغصّ بالتحف الأركيولوجيّة والإثنوغرافيّة من الماضي العربيّ[22].

فرّ أبو عمر أبو الهيجا من عين حوض في عام 1948 وسنّه ثمانية عشر عامًا آنذاك، وهو الآن مدير بنك متقاعد في الناصرة. أمّا عين حوض فهي بالنسبة إليه مثل المعشوقة الجميلة الّتي لا يستطيع المرء زيارتها إلّا نادرًا، ولكن حتّى وإن زارها سائحًا فهو مسرور بأنّها ما زالت قائمة.

أمّا النحّاتة شوشانة هايمان، المقيمة في عين هود اليهوديّة، فقد أعربت عن هواجسها حول الانتقال إلى قرية عربيّة: "إنّ محاولة استبقاء الأجواء هي في الأصل استلاب؛ لأنّها ليست ملكك في الواقع، فحتّى لو تماهيت معها ما زال يترتّب عليك تغييرها؛ لأنّك لا تستطيع أن تسود عليها، بل إنّها في الواقع هي الّتي تتغلّب عليك"[23].

يشير معظم الفنّانين المقيمين الآخرين إلى إنجازات عين هود الفنّيّة: «متحف يانكو-الدادائيّ الحديث»، وهو مركز عالميّ للفنّ الدادائيّ والأبحاث، فضلًا على ورشات العمل وتثقيف الطلبة اليهود في مجال الفنون، وبرامج التبادل الفنّيّ مع ألمانيا.

وُلِد يانكو وأبو حلمي وتوفّيا بفارق عام من بعضهما بعضًا – يانكو عاش من 1895-1983، وأبو حلمي من 1896-1982. وتبيّن صورة فوتوغرافيّة رسميّة لأبي حلمي، التُقِطت في جنين في عام 1976، رجلًا طويل القامة جليلًا، بعينين زرقاوين جميلتين لافتتين، ولحية بيضاء طويلة. وقد وصلت لحيته في السبعينات إلى منتصف الصدر، حيث أقسم على ألّا يحلقها إلى حين عودته إلى بيته وقريته عين حوض. وبحسب حفيده، توفّي أبو حلمي بكامل لحيته غير المقصوصة، مقتنعًا بتشاؤم بأنّه قد فشل، وأنّ عين حوض الّتي ساعد على خلقها ليست أكثر من سجن لأحفاده. في حين ذكرت إحدى بنات يانكو، في مقابلة هاتفيّة، أنّ يانكو قد ساورته في أواخر أيّامه الهواجس والظنون حول الاستيلاء على عين حوض العربيّة.

 

خطابات سياقيّة

تتساءل دراستي الطويلة الأمد عن كيفيّة اختبارنا، وتذكّرنا لفضاء بيئتنا وبنيتها وتفاصيلها، وكيف تؤطّر الذاكرة البيئيّة[24] علاقاتنا بالأشياء المادّيّة المحيطة بنا في الفضاء الأرضيّ، وبالأشكال الّتي تضفيها على هذا الفضاء، وبالطريقة الّتي يتشكّل الوجود فيها بهذه الأشياء والأشكال؛ فهل تنبثق الذاكرة البيئيّة بشكل طبيعيّ؟ هل تُشْحَذ من خلال التعليم عبر الذاكرة البصريّة؟ أيحلم الطفل بمنازل حجريّة لأنّها أشكال وصور لبدايات وعيه، أم لأنّها ربّما كانت يومًا ما غرفته - أو حتّى غرفة والديه - الأولى وشبّاكه الأوّل؟

إنّ علاقتنا ببيئتنا المادّيّة تجربة وجوديّة مباشرة من الضوء والظلّ أو الحركة؛ عبر إدراك الأشكال الصلبة والشفّافة؛ أيؤدّي البيت مجرّد وظائف ثقافيّة فحسب، بعمله بصفته منظومة للذاكرة تسجّل أصول جماعة ما، أم أنّ بيت الأجداد أو البيت الّذي وُلِدَ الإنسان فعليًّا فيه لازم وحتميّ؛ لفهم دور الذاكرة في حدّ ذاته في تشكيل الوعي؟

بالنسبة إلى غاستون باشلار (1884 - 1962)، فإنّ "الشكر للبيت؛ فالعديد من ذكرياتنا محصور بالبيت، وإذا كان البيت واسعًا قليلًا، وإذا احتوى على قبو وسقيفة وأركان منعزلة وأروقة، تكون لذاكرتنا ملاذات مصوّرة بوضوح أشدّ، نعود إليها طوال العمر في أحلام يقظتنا"[25].

 يدعو باشلار إلى تحليل مكانيّ، مركّزًا الانتباه على تموضع ذكرياتنا، حيث يطرح المحلّل المكانيّ، تمامًا مثل المحلّل النفسيّ، أسئلة تكشف عن الروابط بين الوعي والمكان: هل كانت الغرفة واسعة؟ وهل كانت السقيفة متراكمة بفوضى؟ وهل كان المنعزل دافئًا؟ وكيف كان مضاء؟ وكيف حظي الكائن البشريّ في تشظّيات الفضاء هذه بالسكينة والهدوء؟

لو اسْتُخْدِمت أبنية عين هود أطرًا للذاكرة البيئيّة، فإنّ اليهود والعرب يدركون بالتأكيد الدور المعقّد للعمارة بطرق مختلفة جذريًّا...

لو اسْتُخْدِمَتْ أبنية عين هود أطرًا للذاكرة البيئيّة، فإنّ اليهود والعرب يدركون بالتأكيد الدور المعقّد للعمارة بطرق مختلفة جذريًّا، ذلك أنّ أشكالًا وتفاصيل بعينها، لكلّ بيت حجريّ موضع نزاع خلافيّ، هي ليست مواضيع للذاكرة فحسب، بل هي جديرة بالتذكّر فعليًّا كوسائل وأدوات ذاكريّة.

وفي الختام، يشكّل سؤالي الأخير بؤرة الكتاب الّذي ما زال العمل جاريًا عليه؛ فما التاريخ المعماريّ والإثنوغرافيّ لمكان بُنِيَ فيه بيت بعينه، وأُعيد بناؤه، وجُدِّد وأُصْلِح على مرّ الزمن من جانب مجموعتين متعاديتين ولغايات متعارضة – تقف إحداهما فوق الأخرى على منحدر جبل؟ وما المضامين الإضافيّة حين يكون هذا المكان محلًّا لاستثمار العرب بالفنّ اليهوديّ، وجمعهم وبيعهم له، وحيث يدرس فيه الفنّانون العرب ويُكْتَشَفون على أيدي فنّانين يهود – يبحثون هم عن جذورهم الفنّيّة الأصيلة الّتي يموضعها الكثير منهم في اللقى الفنّيّة العربيّة؟[26].

 

عنوان النصّ بالإنجليزيّة: Discourses on the pre-1948 Palestinian Villages: The Case of Ein Hod/Ein Houd, Susan Slyomovics, Traditional Dwellings and Settlements Review

ترجمته إلى العربيّة ريما العيسى.

 


إحالات

[1]  رحيلا مزراحي، كيف يستملك الفنّ التشكيليّ الإسرائيليّ التراث الفلسطينيّ، عرب 48، 06/04/2009، تاريخ الدخول: 09/01/2023. 

[2] Foucault's notion of discourse is described in his The Order of Things: An Archeology of the Human Sciences," (New York: Random House,1970), and Discipline and Punish: The Birth of the Prison (New York: Pantheon, 1977).

[3] See my review of this series in Journal of American Folklore 104 (Summer 1991), PP.385-7.

[4] S. Kanaana, "Methodology in 'The Destroyed Palestinian Villages Project,'" paper delivered at the Carleton-Bir Zeit Workshop, Carleton University, Ottawa, Ontario, March 1989, P·3.

[5] C. Norberg-Schulz, Genius Loci: Toward a Phenomenology of Architecture (London: Academy Editions, 1980).

[6] ش. كناعنة وب. الكعبي، عين حوض (رام الله، مركز الوثائق والأبحاث، 1987). للتدوين اللغويّ لعين حوض وعين هود؛ انظر الهامش 14 من هذا البحث. كذلك فإنّ اسم الحمولة أبو الهيجا، وتُدَوَّن أبو الهيجاء بالرغم من وجود اختلافات في التهجئة.

[7] Sefer Ha-Chukkim, no. 37 of the 2nd Nisan, 5710 (March 20, 1950), p.86.

[8] "As Told by Marcel Janco," Ein Hod Artists' Village [Catalogue} (n.p.: n.d.), p.I.

[9] Ein Hod Artists' Village [Catalogue} (n.p: n.p,1962), p.I.

[10] "Opening Exhibition Summer 1983," Janco Dada Museum Bin Hod Catalogue (Haifa:Omanuth,1983)·

[11] M. Janco, "About Abstract Art and Its Aims," Das Neue Leben [Catalogue} (Zurich: Kunsthaus Zurich, 1918).

[12] T. Katriel and A. Shenhar, "Tower and Stockade: Dialogic Narration in Israeli Settlement Ethos," The Quarterly journal of Speech Vo1.76 NO-4 (1990).  انظر أيضًا إلى نقاشهم عن كيفيّة إحياء هذه الرمزيّة في مستوطنات الضفّة الغربيّة الحاليّة.

[13] Ibid, p. 359-380.

[14] S, Greenblatt, Marvelous Possessions: The Wonder of the New World, (Chicago: University of Chicago Press, 1991).

[15] مقابلة مع المؤلّفة. 

[16] تتشارك العربيّة والعبريّة صواتيا في كلمة عين، وتعني النبع من الماء. إلّا أنّ العبريّة الإسرائيليّة الحديثة، وكما يلفظها الأشكناز، أو اليهود من أصول أوروبّيّة، لا تميّز بين الوقفة غير الصواتية في الألف، وبين الحلقيّ الاحتكاكيّ المجهور، أي حرف ع، وكذلك الاحتكاكيّ الصامت (خ في العربيّة والعبريّة) عن الحلقيّ الاحتكاكيّ المهموس المتمثّل في حرف هـ. في المقابل، نجد أنّ العربيّة والعبريّة المنطوقة من جانب اليهود من الدول العربيّة يحافظون على هذه الفروقات الصامتة.

[17] D. Yekutiel, Present Absent: Short Stories (Addition) (Tel-Aviv: Yaron Golan Publishing House, 1990), n.p.

[18]  See my "Arabic Folk Literature and Political Expression, Arab Studies Quarterly 8(1986),PP.178- 85, and '''To Put One's Fingers in the Bleeding Wound': Palestinian Theatre under Israeli Censorship," The Drama Review (Summer,1991), pp.18-38; also J .E. Limon, "Western Marxism and Folklore: A Critical Introduction," journal of American Folklore 90(1983), Pp.34-52,and 97 (1984), Pp·337-44·

[19] أ أ فتاح، عين حوض: قصّة رجل يناضل من أجل إعادة بناء قريته، الفجر، (28 حزيران 1987) ص 13، وسليمان الناطور، وما نسينا عين حوض، الجديد رقم 6، (حزيران 1980) ص 14-16.

[20] D. Yekutiel, interviews, n.p.

[21] See T. Swedenburg, "The Palestinian Peasant as National Signifier," Anthropological Quarterly 03 (1990) pp.18-30.

[22]  حنّا أبو حنّاـ قصائد من حديقة الصبر، (الناصرة، 1988).

[23]  مقابلة مع المؤلّفة. 

[24]  Term coined by Malcolm Quantrill. See his Ritual and Response in Architecture (London: Lund Humphries, 1974).

[25]  G. Bachelard, The Poetics of Space (Boston: Beacon Press, 1969), p.8.

[26]  بعد نضال دام سنوات تغير وضع عين حوض العربية عام 1992 من "قرية رمادية" غير قانونية بدون خدمات، بحيث باتت تحصل حاليا إلى جانب عين هود اليهودية على خدمات المخطط والمعماريّ مايك تيرنر.